/ الْفَائِدَةُ : (8) /
21/03/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / اِشتقاق لفظ ومعنى: (الْجِبْت)/ إِنَّه لا يبعد: أَنَّ بين لفظ ومعنىٰ: (الجب) ولفظ ومعنىٰ: (الْجِبْت)(1) اِشتقاق لغويّ؛ فإِنَّ معنىٰ لفظ: (الجب): القاطع. ومعنىٰ لفظ: (الْجِبْت): القاطع للطريق الموصل للخير والسَّاحة الإِلٰهيَّة، كالأَصنام، وكُلّ ما يُعبد من دون اللّٰـه، ويُطاع من غير إِذنه تقدَّس ذكره، الصَّارف عن السَّبيل والصِّراط المُستقيم الموصل للخير والسَّاحة الإِلٰهيَّة. وإِلى هذا أَشارت بيانات الوحي، منها: 1ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام ، الوارد في تفسير بيان قوله تعالىٰ: «... [وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ](2)، أَخذ العلم من أَهله، [وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ](3)، والخبائث قول مَنْ خالف ... [وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ](4)، يعني: الَّذين اجتنبوا الْجِبْت والطَّاغوت أَنْ يعبدوها، والْجِبْت والطَّاغوت فلان وفلان وفلان، والعبادة: طاعة النَّاس لـهم ...»(5). 2ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن داود الرقي، قال: «قلتُ لأَبي عبداللّٰـه عليه السلام : حَدِّثِنِي عن أَعداء أَمير المؤمنين وأَهل بيت النُّبوَّة، فقال: الحديث أَحبُّ إِليك أَم المعاينة؟ قلتُ: المعاينة، فقال لأَبي إِبراهيم موسىٰ عليه السلام : ائتني بالقضيب، فمضىٰ واحضره إِيّاه، فقال له: يا موسىٰ، اضرب به الأَرض، وأَرهم أَعداء أَمير المؤمنين عليه السلام وأَعداءنا، فضرب به الأَرض ضربة فانشقَّت الأَرض عن بحرٍ أَسودٍ، ثُمَّ ضرب البحر بالقضيب، فانفلق عن صخرةٍ سوداءٍ، فضرب الصخر فانفتح منها باب، فإِذا بالقوم جميعاً لا يحصون لكثرتهم، وجوههم مسودَّة، وأَعينهم زرق، كُلُّ واحدٍ منهم مصفد مشدود في جانب مِنْ الصخرة، وهم ينادون: يا مُحمَّد! والزبانية تضرب وجوههم، ويقولون لهم: كذبتم ليس مُحمَّد لكم، ولا أَنتم له، فقلتُ له: جُعِلْتُ فِدَاك! مَنْ هؤلاء؟! فقال: الْجِبْت، والطَّاغوت، والرجس، واللَّعين ابن اللَّعين، ولم يزل يُعدِّدهم كلّهم مِنْ أَوَّلهم إِلى آخرهم حتَّىٰ أَتَىٰ على أَصحاب السَّقيفة، وَأَصحاب الفتنة، وبني الأَزرق والاوزاع، وبني أُميَّة، جدَّد اللّٰـه عليهم العذاب بكرة وأَصيلاً، ثُمَّ قال للصَّخرة انطبقي عليهم إِلى الوقت المعلوم»(6). وعلى ضدِّه قام معنىٰ الآية الإِلٰهيَّة؛ فإِنَّها: الوسيلة(7) والصِّراط الحصري المُستقيم؛ والعاصم، والموصل لساحة القدس الإِلٰهيَّة والخير، والمُنجي من اِكتناه الذَات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة، ومن التَّشبيه والتَّعطيل. بعد الاِلتفات: أَنَّ الآيات الإِلٰهيَّة على نحوين: تارة تكون ناطقة وصاحبة دعوىٰ، وهذا النَّحو يصحُّ اِتِّصاف مَنْ يتَّبع تلك الآيات الإِلٰهيَّة بـ: (التَّصديق بها)، ومَنْ لَم يتَّبعها بـ: (التَّكذيب بها). وأُخرىٰ غير ناطقةٍ وليست صاحبة دعوىٰ، وهذا النَّحو لا يصحُّ اِتِّصافه بذلك؛ لكون صفة الصِّدق أَو الكذب في حقِّ هذا النَّحو من باب السَّالبة بانتقاء الموضوع؛ وذلك لاِحتياج مُتعلَّق الصِّدق(8)ـ أَي: التَّصديق بتلك الآيات ـ ومُتعَلَّق الكذب ـ أَي: التَّكذيب بتلك الآيات ـ إِلى تمتُّع الآيات الإِلٰهيَّة بالنُّطقِ اللِّساني؛ وأَنْ تكون صاحبة دعوىٰ. وإِنَّما يتَّصف هذا النَّحو ويُنعت من يعتقد بها ويتَّبعها بـ: (الإِقبال عليها)، وَمَنْ لا يعتقد بها ولا يتَّبعها بـ: (الإِعراض عنها). فانظر: بيانات الوحي المُشيرة إِلى هذا النَّحو الثَّاني، منها: 1ـ بیان قوله تقدَّس ذكره: [وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ](9). 2ـ بیان قوله جلَّ قدسه: [اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ](10). ودلالتهما واضحة. ولاحظ: بيانات الوحي الأُخرىٰ المُشيرة إِلى النَّحو الأَوَّل، منها : بیان قوله جلَّ قوله: [إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ](11). ودلالته واضحة أَيضاً . / أَهْل الْبَيْتِ عَلَيْهِمْ السلام هم رأس هرم الآيات الإِلٰهيَّة الناطقة / وينبغي الاِلتفات : أَنَّ كمل المخلوقات هم الآيات الإِلٰهيَّة الناطقة ؛ رأس هرمها سيِّد الأَنبياء وسائرأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . فانظر بيانات الوحي ، منها : 1 ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس في مجلس يسب فيه إمام ويعاب فيه مسلم، إن الله يقول: [وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ](12) » (13) . 2 ـ بيان تفسير علي بن ابراهيم ؛ لبيان قوله تعالى : « [وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ] (14) قال: آيات الله هم الائمة عليهم السلام » (15) . وصلى الله على محمد واله الاطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ينبغي الاِلتفات لعناوين ثلاثة، وردت في البيانات الوحي؛ والتفرقة بينها : أَحدها: (الْجِبْت)؛ فإِنَّه يُطلق في بيانات الوحي الإِلٰهيّ الشَّريف ويُراد منه: صاحب أَصل البِدْعَة والفتنة، القاطع للطَّريق المُستقيم بوجه المخلوق بعد سلوكه. مثاله: المستولي الأَوَّل. الآخر: (الطَّاغوت)؛ فإِنَّه يُطلق أَيضاً في بيانات الوحي ويُراد منه: المروج للفتن، والمُمدُّ للجوابيت والفراعنة. مثاله: المستولي الثَّاني. ثالثها: (الفرعون)؛ فإنَّه يُطلق كذلك في بيانات الوحي ویُراد منه: الصَّاد للعبد مِنْ سلوك الصراط المُستقيم من بداية الطَّريق. مثاله: أَبو جهل، والمستولي الثَّالث. هذه ثلاثة عناوين دينيّة ووحيانيَّة خطيرة ومُهمَّة جِدّاً. (2) الأَعراف: 157. (3) الأَعراف: 157. (4) الأَعراف: 157. (5) بحار الأَنوار، 24: 353 ـ 354/ح73. (6) بحار الأَنوار، 28: 84/ح14. عيون المعجزات: 86. (7) يجدر الاِلتفات: أَنَّ أَعظم أَنواع التَّوسُّل، بل أَعظم شيء في الدِّين هو: التَّوسُّل بالمعرفة والعقيدة الحقَّة. (8) مُتعلَّق: (الصِّدق) و(الكذب) في المقام هو: (الآِيات الإِلٰهيَّة). (9) الأَنبياء: 32. (10) القمر: 1ـ2. (11) الأَعراف: 40 . (12) الأنعام :68 . (13) بحار الأنوار،71 : 195/ح24 . مجالس المفيد : 73 . (14) النساء :140 . (15) بحار الأنوار، 31: 511/ح3 . تفسير القمي ، 1 : 156